About Bishmezzine   |   Home   |   Quince Sfargal   |   Faces   |   Photo Galleries   |   White & Yellow Pages   |   Contact us

 

 

2000/06/10

logo.jpg (5438 bytes)

 

 

weekly_features



مطران المهجرين الجنوبيين بولس الخوري

أسود العرب نامت عن عرين
فهاجمه العدو وهم نيام
(المطران بولس الخوري 1968)
حاد الطبع والمزاج، عفوي، صريح، ذكي ومتواضع حد التقشف في هيئته وكلامه ونبرة صوته، لا يفصل ما بين الدين والاخلاق والحق، حق الفقراء والمظلومين. هو المطران بولس الخوري (19951896)، الذي كان اسمه قبل سيامته كاهنا: حليم، ابن الخوري جرجس، وحفيد الخوري اندراوس بن الشيخ حنا الخوري جرجس المقدسي. من بلدة بشمزين في الكورة، التي بنت فيها والدته، سُكّر، اول مدرسة للبنات مع شقيقتها تيودوره، في العام 1876، بعدم تخرجتا من المدرسة الروسية في بيروت.
فالمطران بولس الخوري الذي وصل في تدرجه الكنسي الى توليه مطرانية صيدا وصور ومرجعيون وحاصبيا وراشيا لطائفة الروم الارثوذكس، واحد من جيل رجال دين، مسيحيين، ثوار، لم تقتصر نظرتهم الدينية، او ايمانهم، على العبادة والوعظ، ربطوا بشكل لا ينفصل ما بين الايمان والسلوك اليومي، ما بين الايمان والدفاع عن الحرية والانسان، ما بين العبادة والمجاهرة بالحق، ما بين الدين والتعاليم والنظرة الى الحياة ببساطة، ما بين الظلم والثراء، الفقر والتقوى. فالدين هو، عنده، وكأنه البعد الاستراتيجي للدنيا.
رحلة طويلة قضاها من مسقط رأسه الى مرجعيون، حيث اقام من العام 1948. ولم توفّق اسرائيل في ابعاده، على الرغم من استهدافه شخصيا، ومن البداية عندما راحت تدمر وتقرن اعتداءاتها، قبل ومع وبعد، بالشائعات والفتن الطائفية والقروية والعائلية. فقد هاجمت المطرانية (مرجعيون) بالرشاشات والمدافع، ودمرت اجزاء من البيت الذي يقيم فيه، وسُرقت سيارتان. لكنه، ليلتها، كان في بيروت. وعاد ليجد مرجعيون منكوبة، كما قال: »احرقوا خمسين منزلا، واهانوا واذلوا كثيرين ولم يتورعوا عن اهانة بعض الشخصيات التي لها عندي كل محبة واحترام، ولم يحرموني من محبتهم، واما عدد القتلى فحدث ولا حرج، يتراوح ما بين الخمسين والثمانين، وقيل لي انهم دفنوهم كلهم معا في حفرة واحدة في التلة المعروفة باسم »تلة دبين«، وماذا تنتظر ان يكون فعل السكان غير الهرب.. والمهجرون الذين لجأوا الى حاصبيا وكفرحمام بينهم مسيحيون، أي ممن يرفع (سعد حداد واسرائيل) راية حمايتهم«.
هذا الكلام، ومثله كثير في »كتاب« المطران الذي لقبه ابناء المنطقة ب»مطران المهجرين« لكونه واحدا منهم ولكونه صوتهم وضميرهم. وهو الذي لم يمر على اقامته الجنوبية ثلاثة اعوام حتى ترشح الى النيابة عن المقعد الارثوذكسي، في منطقة الجنوب، وخسر امام خصمه (نصار غلمية) بفارق ضئيل من الاصوات، إذ نال 15359 صوتا، وقد خاض المعركة برصيده الشعبي الذي لم يقتصر على طائفة واحدة، وبسمعته التي سبقته الى المنطقة، متظاهرا ضد الانتداب الفرنسي مع دعاة الاستقلال ما بين 11 و14 تشرين الثاني 1943؛ وبشعارات علمانية: »لو تسنى لي الوصول الى المجلس النيابي سأدعو الى فصل الدين عن الدولة واقرار الزواج المدني«.
فلهجته الحادة وكلامه المباشر جعلاه أقرب الى الخطيب منه الى الواعظ. وداعية الى الثورة والنضال من اجل الحق، ولو بحمل السلاح، كما قال مرة في ندوة »نسائية«، اكثر منه مبشرا بعقيدة او دين. وعباراته تنم عن اقدام ودفع الى الفعل: »لو كنت سياسيا لحصرت الزعماء السياسيين في غرفة مغلقة وانذرتهم بالموت ما لم يخرجوا منها متفقين خطيا على وقف اطلاق النار«. ومنذ البداية، وهو المرتبط بالناس وهموم المنطقة عموما، راح يحذر من »نيات العدو.. من سياسة الابواب المفتوحة على الحدود اللبنانية«، ويدعو الى »مجابهتها بشتى الوسائل«. ونظم بالتعاون مع »الحزاب والقوى الوطنية والتقدمية« في 22/6/1975 المؤتمر الشعبي الاول لقضاءي مرجعيون وحاصبيا، واستهل جلساته التي عقدت في قاعة المطرانية في مرجعيون بكلمة دعا فيها الى نبذ ما يفرّق والارتفاع عن الصغائر«. واتخذ موقفا صريحا صارما من سعد حداد ومليشياته وارتباطه باسرائيل: »الكلاب لا تنبح إلا بأمر اصحابها« قال ولم يخف، واصر على مواقفه التي ازعجت اذاعة الميليشيات (صوت الامل) فشنت حملة عنيفة عليه وقالت: »انه يعمل لصالح الشيوعية. وطالبت باقالته من منصبه لأنه لم يعد يمثل الكاثوليك«. فمن يمثل الكاثوليك، او من تريد الاذاعة المذكورة، ان يمثل الكاثوليك في »دولة لبنان الحر« هو سعد حداد، الكاثوليكي والذي بدأت اسرائيل تسويق قيادته في مجتمع ماروني التزم طويلا باعتبارات النسب والغنى والثقافة التي كانت تنسحب على اصول كثيرة من العائلات المسيحية من مارونية وغير مارونية في منطقة مرجعيون. فيما سعد حداد لا تنطبق عليه أي من تلك المواصفات او الشروط، ولم يساعده في ذلك تهجيره الارثوذكس من مرجعيون.
انتمى المطران بولس الخوري الى رعيته، الى مكانها وقضيتها، ولهذا كان اول المستهدفين. وقد صمد مع آخرين قال فيهم: »ان إهمال السلطة وعدم مساعدتها المزارعين في شراء محاصيلهم، وبالتالي عدم تجهيز المستشفيات كما يلزم، والحصار المضروب حول المناطق الوطنية، كل ذلك اضطر الجنوبيين مكرهين الى الافادة من عروض العدو الاسرائيلي في البيع والشراء، وفي المستوصفات الحدودية.. واذا كنا نلوم فقراء الجنوب في ذلك، فكيف هي الحال بحكمنا على السلطة؟ فان افضل الموت على الموافقة على تلقي العون من اسرائيل«.
ونقد المطران اهمال السلطة مناطق الجنوب ليس جديدا، او من عمر الايغال الصريح للاسرائيلي في تلك القرى. انما هو قديم ومقرون بالفعل ايضا ساهم في تأمين بعض البنية التحتية، الضرورية ومنها مدرسة في راشيا الوادي بناها وأشرف على التدريس فيها (اوائل الخمسينات)، مستكملا تجربته في التدريس التي جعلت منه سائحا بين العديد من المناطق اللبنانية والعواصم العربية (دمشق والقاهرة).
وطوال حياته الطويلة اطل من غير نافذة من شخصيته. فكان شاعرا اصدر ديوانا بعنوان »منظومات«، و»ماص« اصدر »فلسفة الحياة« (مجموعة قصصية). ولم تنحصر شفافيته في نشره مذكراته الخاصة فحسب (بعنوان »كلمات«)، انما كتب في »اسرار الازمة الارثوذكسية«، »الفروقات بين الكنيسة المسيحية«، »تاريخ الكرسي الانطاكي على عهد البطاركة العرب« و»تاريخ صيدانايا«... ونشر العديد من المقالات الجريئة في »اسس لبنان الجديد«، ابرزها افتتاحية في »السفير« عنوانها: »الجمهورية اللبنانية العربية«، كتب فيها: »ان لبنان لا يبنى على اسس طائفية واقطاعية، وان يستقل استقلالا اقتصاديا وعلميا بحيث لا يبنون فيه الا جامعة واحدة لبنانية عربية، ولا ميليشيات الا جيش لبناني عربي، ولا يتسلط الاقطاعيون على المؤسسات الحكومية والقضاء، وبحيث يفصل الدين عن الدولة تنفيذا لقول السيد المسيح: اعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر... واني ارى ضرورة مبدئية في تطبيق المادة 12 من الدستور اللبناني القاضي بأن اللبنانيين متساوون في الحقوق والواجبات«.
الزين حسان